الجمعة، 4 يناير 2013

أحكام صلاة العيد

العيد لغة: اسم لما يعود ويتكرر مرة بعد أخرى، وسمي بذلك؛ لأنه يعود، أو تفاؤلاً أن يعود ثانية، ولأنه يعود بالفرح والسرور.

وصلاة العيد مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وقد كان المشركون يتخذون أعياداً زمانيَّة ومكانيَّة، فأبطلها الإسلام، وعوَّض عنها عيد الفطر وعيد الأضحى؛ شكراً لله - تعالى -على أداء هاتين العبادتين العظيمتين: صوم رمضان، وحج بيت الله الحرام.

وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لما قدم المدينة وكان لأهلها يومان يلعبون فيهما، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((قد أبدلكم الله بهما خيرا منهما: يوم النحر، ويوم الفطر)) رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -.

فلا تجوز الزيادة على هذين العيدين بإحداث أعياد أخرى كأعياد الموالد وغيرها؛ لأن ذلك زيادة على ما شرعه الله، وابتداع في الدين، ومخالفة لسنة سيد المرسلين، وتشبه بالكافرين، سواء سميت أعياداً أو ذكرياتٍ أو أياماً أو أسابيع أو أعواماً، كل ذلك ليس من سنة الإسلام، بل هو من فعل الجاهلية، وتقليد للأمم الكافرة من الدول الغربية وغيرها، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من تشبه بقومٍ فهو منهم)) رواه الإمام أحمد و أبو داود وغيره. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (( إن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)) رواه مسلم.

مسألة:

الدليل على مشروعية صلاة العيد، قوله -تعالى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)[الكوثر: 2]، وقوله - تعالى -: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)، [الأعلى: 15]، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء من بعده يداومون عليها.

حكم صلاة العيد:

حكم صلاة العيد فرض عين على كل مسلم ذكر مكلف لا عذر له؛ لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بها حتى النساء، قالت أم عطية -رضي الله عنها-: ((كنَّا نؤمر أن نخرج يوم العيد، حتى تخرج البكر من خدرها، وحتى تخرج الحيض فيكنَّ خلف الناس، فيُكبِّرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم؛ يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته)) متفق عليه.

ويسن للنساء الخروج لصلاة العيد غير متطيبة، ولا متبرجة.

مسألة: ويسن أن تؤدى صلاة العيد في صحراء قريبة من البلد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي العيدين في المصلى الذي على باب المدينة؛ فعن أبي سعيد: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى" متفق عليه، ولم ينقل أنه صلاها في المسجد لغير عذر، ولأن الخروج إلى الصحراء أوقع لهيبة المسلمين والإسلام، وأظهر شعائر الدين، ولا مشقة في ذلك؛ لعدم تكرره، بخلاف الجمعة، إلا في مكة المشرفة؛ فإنها تصلي في المسجد الحرام، فإن كان هناك عذر من مطر أو زحام، جاز أن تصلي في المساجد.

وقت صلاة العيد:

وقت صلاة العيد إذا ارتفعت الشمس بعد طلوعها قدر رمح؛ لأنه الوقت الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصليها فيه، ويمتد وقتها إلى زوال الشمس.

فإن لم يعلم بالعيد إلى بعد الزوال، صلوا من الغد قضاءً؛ لما روى أبو عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قالوا: " غمَّ علينا هلالُ شوال، فأصبحنا صياماً، فجاء ركبٌ في آخر النهار، فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس أن يفطروا من يومهم، وأن يخرجوا غداً لعيدهم" رواه أحمد وأبو داود والدار قطني وحسَّنه.

ما يُسنُّ يوم العيد:

1. يسن أن يأكل قبل الخروج لصلاة الفطر تمرات، وأن لا يطعم يوم النحر حتى يصلى؛ لحديث بريدة: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم – لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر، ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وصححه ابن حبان والحاكم.

2. ويسن التبكير في الخروج لصلاة العيد بعد صلاة الفجر؛ لوروده عن ابن عمر - رضي الله عنهما -؛ ليتمكَّنَ من الدنو من الإمام، وتحصُلُ له فضيلةُ انتظار الصلاة، فيكثُرُ ثوابُهُ.

3. ويسن أن يتجمل المسلم لصلاة العيد بالاغتسال بعد الفجر؛ لورود ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم ، كابن عمر، ولبس أحسن الثياب؛ لثبوت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

كيفية صلاة العيد:

صلاة العيد ركعتان قبل الخطبة؛ لقول ابن عمر: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر وعمر وعثمان يصلون العيدين قبل الخطبة" متفق عليه، وقد استفاضت السنة بذلك وعليه عامه أهل العلم، قال الترمذي: " والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم أن صلاة العيدين قبل الخطبة ".

وصلاة العيد ركعتان بإجماع المسلمين، وفي الصحيحين وغيرهما عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " خرج يوم الفطر، فصلى ركعتين لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما".

مسألة:

ولا يشرع لصلاة العيد أذان ولا إقامة؛ لما روى مسلم عن جابر - رضي الله عنه - قال: " صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العيد غير مرة لا مرتين، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة".

ويكبر في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام والاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة ست تكبيرات، وعند الشافعي سبع، فتكبيرة الإحرام ركنٌ لابدَّ منها، لا تنعقد الصلاة بدونها، وغيرها من التكبيرات سنة، ثم يستفتح بعدها؛ لأن الاستفتاح في أول الصلاة سنة، ثم يأتي بالتكبيرات الزوائد الست، أو السبع، ثم يتعوَّذ، ويبسمل، عقب التكبيرة السادسة أو السابعة؛ لأنَّ التعوذ والبسملة للقراءة سنة، فيكون عندها، ثم يقرأ.

ويكبر في الركعة الثانية قبل القراءة خمس تكبيرات غير تكبيرة الانتقال؛ لما روى أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنه -: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كبَّر في العيد ثنتي عشرة تكبيرة، سبعاً في الأولى، وخمساً في الأخيرة" وإسناده حسن، وله شواهد عن عائشة -رضي الله عنها-، وغيرها.

وروي غير ذلك في عدد التكبيرات: قال الإمام أحمد - رحمه الله -: " اختلف أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في التكبير، وكله جائز ".

ويرفع يديه مع كل تكبيرة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه مع التكبير، ولوروده في حديث ابن عمر، في تكبيرات الجنائز، رواه الدار قطني، وصحَّحه الشيخ عبد العزي ز بن باز- رحمه الله - تعالى-، ولما يأتي من الأدلة في رفع الأيدي في تكبيرات الجنائز.

وإن نسي التكبير الزائد حتى شرع في القراءة سقط؛ لأنه سنَّة فات محلها.

وكذا إذا أدرك المأموم الإمام بعد ما شرع في القراءة، لم يأت بالتكبيرات الزوائد، أو أدركه راكعاً؛ فإنه يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يركع، ولا يشتغل بقضاء التكبير.

وصلاة العيد ركعتان، يجهر الإمام فيهما بالقراءة؛ لقول ابن عمر - رضي الله عنه -: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجهر بالقراءة في العيدين والاستسقاء" رواه الدار قطني، وقد أجمع العلماء على ذلك، ونقل الخلف عن السلف، واستمر عمل المسلين عليه.

ويقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة ب (سبح اسم ربك الأعلى) ويقرأ في الركعة الثانية ب الغاشية؛ لحديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه -: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في العيدين ب (سبح اسم ربك الأعلى) و(هل أتاك حديث الغاشية) رواه مسلم، أو يقرأ في الركعة الأولى ب (ق)، وفي الثانية ب (اقتربت)، رواه مسلم من حديث أبي واقد الليثي - رضي الله عنه -.

فإذا سلَّم من الصلاة خطب بالناس، وأوجب بعض العلماء هذه الخطبة على الإمام، وينبغي للمأموم ألا ينصرف، حتى تنتهي الخطبة.

وفي الصحيحين وغيرهما: " بدأ بالصلاة، ثم قام متوكئاً على بلال، فأمر بتقوى الله، وحثَّ على طاعته …" الحديث.

وينبغي أن توجه للنساء موعظة خاصة ضمن خطبة العيد؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - لما رأى أنه لم يسمع النساء أتاهنَّ، فوعظهنَّ، وحثهنَّ على الصدقة، وهكذا ينبغي أن يكون للنساء نصيب من موضوع خطبة العيد؛ لحاجتهنَّ إلى ذلك، واقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.

مسألة:

وإذا أتى المصلى سُنَّ أن يشتغل بالتكبير؛ لمشروعيته حينئذٍ، ويقتصر على تحية المسجد من النوافل إن صليت في المسجد، وإلا فليس لمصلى العيد تحية؛ لقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: " خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عيد؛ فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما" متفق عليه، ولئلاَّ يتوهَّم أن لها راتبة قبلها أو بعدها.

فإذا رجع إلى منزله سُنَّ أن يصلي فيه؛ لما روى أحمد وغيره: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رجع إلى منزله؛ صلى ركعتين" ولعموم أدلة مشروعيَّة صلاة الضحى المتقدمة في صلاة الضحى.

قضاء صلاة العيد:

يشرع لمن فاته شيءٌ من صلاة العيد قضاؤه على صفته بالتكبيرات الزوائد؛ لأن القضاء يحكي الأداء، ولعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: (( فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا)) فإذا فاته ركعة مع الإمام أضاف إليها أخرى.

التكبير في العيد:

يسن في العيد التكبير المطلق، وهو الذي لا يتقيد بوقت، يرفع به صوته؛ إلا الأنثى فلاتجهر به، فيكبر في ليلتي العيدين، وفي كل عشر ذي الحجة؛ لقوله - تعالى-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة: 185[.

ففي عيد الفطر: من غروب الشمس، ليلة العيد إلى دخول الإمام للصلاة.

وفي عيد الأضحى: من طلوع الفجر من أول يوم من شهر ذي الحجة، إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر من آخر أيام التشريق، لقوله - تعالى -: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) [البقرة: 203[، وروي عن أبي هريرة وابن عمر - رضي الله عنهما -: " أنهما كانا يخرجان إلى الأسواق، فيكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما" علَّقه البخاري بصيغة الجزم، ولما ورد " أن عمر - رضي الله عنه - كان يكبر في قبته بني" علَّقه البخاري بصيغة الجزم، ولما ورد أن ابن عمر - رضي الله عنهما -: " كان يكبر تلك الأيام - أيام منى - وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه، ومجلسه، وممشاه، تلك الأيام جميعاً" علَّقه البخاري بصيغة الجزم، ولحديث نبيشة الهذلي مرفوعاً: ((أيام التشريق أيام أكل وشرب، وذكر لله - عز وجل-)) رواه مسلم.

ويجهر به في البيوت والأسواق والمساجد وفي كل موضع يجوز فيه ذكر الله - تعالى -، ويجهر به في الخروج إلى المصلى؛ لما أخرجه الدارقطني وغيره عن ابن عمر: " أنه كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير، حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام" وفي الصحيح عن أم عطية رضي الله عنها-: " كنا نؤمر بإخراج الحيض، فيكبرن بتكبيرهم"، ولمسلم: " يكبرن مع الناس" فهو مستحب لما فيه من إظهار شعائر الإسلام.

التكبير في عيد الفطر:

آكد؛ لقوله - تعالى -: ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )البقرة: 185[.

ويزيد عيد الأضحى بمشروعية التكبير المقيد وهو التكبير الذي شرع عقب الصلوات.

ويبتدئ التكبير المقيد بأدبار الصلوات، من صلاة الفجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، لثبوت ذلك عن الصحابة، عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس - رضي الله عنهم - بأسانيد صحيحة.

صفة التكبير:

أن يقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

ويكون ذلك بعد الاستغفار، وقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام.

التهنئة يوم العيد:

لا بأس بتهنئة الناس بعضهم بعضًا؛ بأن يقول لغيره: تقبل الله منا ومنك.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله -: " قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه، ورخص فيه الأئمة كأحمد وغيره " ا. ه

والمقصود من التهنئة التودد وإظهار السرور.

وقال الإمام أحمد- رحمه الله -: " لا ابتدئ به، فإن ابتدأني أحد أجبته "؛ وذلك لأن جواب التحية واجب، وأما الابتداء بالتهنئة؛ فليس سنة مأمورًا بها، ولا هو أيضاً مما نهي عنه، ولا بأس بالمصافحة في التهنئة
"
 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق